عيد الميلاد في الأسواق اللبنانية: "حركة بلا بركة" هذا العام أيضا!


عيد الميلاد في الأسواق اللبنانية:

جوهر عيد الميلاد وأجمل ما فيه يكمن في إنتظار ولادة السيد المسيح، والصلوات والتراتيل الميلادية واجتماع العائلة في هذه الليلة المجيدة، والزينة التي ترتديها المنازل والشوارع والمتاجر.

 

لكن الأهمية الدينية لهذه المناسبة ترافقها طقوس وتقاليد اجتماعية، ولعل أهمها يكمن في تبادل الهدايا وشراء حاجات العيد من ملابس وألعاب وشوكولا ومأكولات ومشروبات. ولم تعد هذه المناسبة محصورة بالطوائف المسيحية بل أصبحت تثير اهتمام عدد كبير من الأشخاص من طوائف أخرى. وبالتالي تعدّ هذه الفترة فرصة لإنعاش الأسواق وتعزيز مبيعات المحلات ومضاعفتها عن باقي أشهر العام.

 

وبالعادة تبدأ التحضيرات لاستقبال العيد مع انطلاقة شهر 12، لتدب الحركة شيئا فشيئا في الأسواق اللبنانية الموزعة على مختلف المناطق، ويظهر ذلك جليا على الطرقات المزدحمة بالسيارات، والأرصفة المكتظة بالمارة، والمناطق المزينة بالأضواء.

 

والمظهر العام يوحي بأن حالة البيع والشراء تسجل أرقاماً قياسية وغير مسبوقة، ما يثير التساؤلات عن قدرة اللبنانيين الشرائية، رغم ما نسمعه عن الضيقة الاقتصادية التي تضرب مختلف الفئات. اذ خلال السنوات القليلة الماضية، اختلفت نكهة العيد، وأصبحت الأسواق مليئة بالمفترجين وخالية من المشترين. وبات التجار يدركون جيدا أن المتسوقين اللبنانيين لديهم ميزانية محدودة، ومن هنا نشهد على عدد كبير من التخفيضات والحسومات؛ وهذه الظاهرة غريبة وغير مسبوقة خلال هذه الفترة من السنة.

 

ففي السابق، كانت الأسواق تعيش بهجة العيد، معنويا وماديا أيضا، لا بل كانت جزءًا أساسياً من العيد وصورته، حيث كانت تضج بروادها ممن يريدون تأمين مستلزمات العيد، ولكن الانحدار هو سيد الموقف منذ سنوات، وقد اعتدنا على التماس حركة مختلفة عن تلك التي يعرفها التجار، كما أصبحت ظاهرة الـ"window shopping" أو "النظر الى السلع المعروضة في واجهات المتاجر، دون الرغبة في الشراء"، منتشرة أكثر فأكثر.

 

أما الأسباب والدوافع التي أدت الى هذه الحالة الصعبة، من عجز تعيشه الأسواق، فتعود بالأساس الى الركود الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان عامة، ما ينعكس على حركة البيع والشراء داخل الأسواق، بالاضافة الى تراجع القدرة الشرائية للمواطن بشكل تدريجي، والغلاء المعيشي المدمِّر، واستمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد. فقد طرأت متغيرات كثيرة على جيبة المواطن من جهة، وعلى الأسواق التجارية من جهة أخرى، حتى بات الناس "بيحسبوا ألف حساب" قبل شراء سلعة ما.​​​​​​​

كما أن معظم التجار كانوا يعولون على يوم الأحد، أي اليوم الأخير قبل ليلة عيد الميلاد، من أجل التعويض الى حد ما عن ضعف الحركة التي يعانون منها منذ 12 شهرا و23 يوما، وكانوا سيكتفون بيوم واحد من الحركة مقابل أيام وأيام من الركود، ولكن جاءت تحركات "السترات الصفراء" الأخيرة "لتزيد الطين بلّة" وتمنع عدد كبير من الأشخاص من زيارة الأسواق التجارية.

لكن مما لا شك فيه أن الحركة في الأسواق التجارية تختلف من سوق الى آخر، ومن فئة اجتماعية الى أخرى، وعلى الرغم من انتعاشها في بعض المناطق، الا أنها ستقفل على تراجع قد تصل نسبته الى 45% في مناطق أخرى.

 

وقد أجرت "الاقتصاد" جولة على بعض الأسواق اللبنانية، وهكذا جاءت النتيجة!

 

زغرتا - الزاوية

 

أشار رئيس جمعية تجار زغرتا – الزاوية جود صوطو، الى أن أسواق زغرتا -الزاوية تكون بالعادة نشطة خلال فترة الأعياد، ولكن لسوء الحظ بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة في لبنان، وصل التراج الى حدود الـ45% بالمقارنة مع العام الماضي، وذلك لأن السيولة النقدية مفقودة لدى اللبنانيين، كما أن الدولة لا تدفع مستحقاتها، والجميع بانتظار الوزارة. وقال "نحمّل الدولة اللبنانية مسؤولية التراجع الكبير الحاصل، لأنها ترفع الضرائب وتجبر المواطنين على تكبدها".

​​​​​​​

وحول قدرة التجار على الصمود، أوضح أن غالبية المتاجر في زغرتا هي مملوكة من قبل التجار، وبالتالي فإن التكاليف أقل من المتاجر التي تدفع الإيجارات المرتفعة، ولكن على الرغم من ذلك نشهد على إقفال العديد من المتاجر لأبوابها.

 

أما بالنسبة الى الاحتفالات المنظمة بمناسبة الأعياد، فأشار صوطو الى تنظيم "زغرتا العيد"، وهو احتفال يقام سنويا، ويتم خلاله توزيع جوائز نقدية ليشتري الزبائن من خلالها السلع من أسواق زغرتا. وقال "نظمنا المشروع، ولكن للأسف الطلب من التجار قليل بسبب تراجع نسب المبيعات".

 

زحلة

 

بدوره، لفت رئيس جمعية تجار زحلة زياد سعادة الى أن الحركة ضعيفة جدا، ونشهد على تراجع ملحوظ بالمقارنة مع العام الماضي، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وغياب السيولة من أيدي المواطنين.

 

وتابع قائلا "لقد عمدنا الى تنظيم العديد من الاحتفالات بمناسبة الأعياد، ولكن لا توجد قابلية للشراء من قبل المستهلك".

 

الزلقا وعمارة شهلوب

 

أما رئيس جمعية تجار الزلقا وعمارة شهلوب فيليب السمراني، فأوضح أن الحركة ضعيفة، وكانت الأسواق تتأمل أن أن تتحسن الأوضاع بعد الوعود بتأليف الحكومة قبل العيد. وذكر أن النسب جاءت أسوأ من العام الماضي، اذ أن أزمة التأخير في تشكيل الحكومة أثرت حتما على الأسواق، كما أن كاهل اللبناني مثقل بالمسؤوليات مثل المدارس والأقساط وغيرها من الأمور الحياتية، الخوف يغلب على نفوس الناس دون أي سبب محدد لذلك.

 

وكشف أن أن السائح بشكل عام، والسائح العربي والخليجي بشكل خاص، لا يزال غائبا للأسف، في حين أن السياح هم من يحركون الأسواق بالعادة. وقال "نحن نفتقد الى السياح العرب لأنهم ينفقون أكثر من غيرهم".

 

كما لفت السمراني الى أن هناك عدد من المتاجر التي لم تتمكن من الصمود فأغلقت أبوابها، ومن المتوقع بعد رأس السنة، أن نشهد على المزيد من الإغلاقات بسبب عدم القدرة على الاستمرار، وقال "لم نشهد الى حد اليوم على أي مبادرة مشجعة، كما لم يعطنا أحد الأمل بغد أفضل".

 

صور

 

من جهته لفت رئيس جمعية تجار صور ديب بدوي الى أن الوضع الاقتصادي سيء للغاية، وكأننا نعيش أياما عادية ولسنا في فترة أعياد، موضحا أن أسواق صور متعبة الى أقصى الحدود.

 

وقال "في الشارع الذي نتواجد فيه، شهدنا على إغلاق 16 متجرا، أما في المجمع التجاري الموجود على مدخل صور، فقد أغلق 14 متجرا أبوابه"، وبالتالي فإن الحركة هي الأسوأ بتاريخ صور. ونحن بالعادة نعتبر أن الأسواق ستزدهر ابتداءا من 15 كانون الأول، لتستعيد الحركة حيويتها، وتعود العجلة الاقتصادية السليمة الى البلاد، لكن السنة كان الأمر مختلف وغريب للغاية، والأسباب كثيرة ومنها: أولا، توقف قروض الإسكان، وثانيا ارتفاع الفوائد في المصارف، وثالثا، زيادة عدد الشيكات المرتجعة، بسبب غياب الحركة، ما يتسبب بمشاكل كثيرة. ورابعا، التجاذبات والمشاكل المتواصل بين الزعماء والسياسيين. وبالتالي، يفضل الأشخاص الذين يمتلكون مبلغا من المال، أن يدخروا أو يخبئوا أموالهم.

 

وتابع "أنا متفائل بالعادة، ولكن اليوم لا يمكن تغيير الحقيقة والواقع، لأن المؤشرات تتراجع بأكملها".

​​​​​​​

عاليه

 

أما رئيس جمعية تجار عاليه سمير شهيب فأوضح أن الحركة أكثر من عادية وأقل من متوسطة، وقد سجلت أرقاما أسوأ من العام الماضي، وذلك بسبب التأخير في تشكيل الحكومة، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، ورفع الفوائد في المصارف، ما دفع بالناس الى التوقف عن الاستثمار وتجمييد أموالهم.

 

كما لفت الى أن الحسومات والتخفيضات موجودة بكثرة في مدينة عاليه، وندعو الجميع للمجيء من أجل الاستفادة من العروضات. فالناس يقصدون أسواق عاليه بسبب الأجواء الأمنة والمتنوعة، ولكن نسبة الشراء قليلة للأسف.

 

أما بالنسبة الى احتفالات العيد، فأشار شهيب الى أنه تم تزيين الشوارع، ولكن بشكل متواضع بسبب تأزم الأوضاع العامة، وقد نظمنا حفلات مجانية ليلة عيد الميلاد في الشارع الرئيسي.

 

وفي ما يتعلق بإغلاق المتاجر، أشار الى أن عدد المتاجر التي أغلقت أبوابها يعتبر قليلا، وذلك لأن التجار يتحملون الأعباء ويخسرون الأموال، ويواصلون العمل من "اللحم الحي"، ولكن اذا استمر الوضع على ما هو عليه، سنشهد على إغلاقات عدة وستكون النتيجة سيئة للغاية.